{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (62) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (63) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (64) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران 62-65)
وفقا لسياق الآيات يتضح أن الهدف من المباهلة هو ردع زعماء الشر من المحاججين بالباطل والمتصدين لجماعة المؤمنين ودفعهم للتفكير والرجوع إلى الله تعالى. وآليتها تؤدي إلى تطبيق ضغط كبير على هؤلاء لإنهم يعرّضون أنفسهم وكل من يليهم، بما فيه النساء والأطفال، إلى نزول لعنة الله عليهم؛ وهذا الأمر قد يؤدي إلى خروج بعض الأصوات العاقلة التي تتصدى لهؤلاء الزعماء وتردعهم من ضمن الموالين لهم.
والأصل أن يدعو للمباهلة من جاءه علم من الله تعالى ومن أذن الله تعالى له بذلك. ولا ينبغي في الأصل للذي اتخذ موقفا بناء على اجتهاد أن يدعو إليها، لأن هناك فرق بين أن يتبيَّن له الأمر وأن يجيئه علم من الله تعالى. لأن التبيّن مبني على الاجتهاد ويحتمل الخطأ، بينما مجيء العلم قطعي يقيني مرتبط بالوحي. والقرآن الكريم يفرّق بين التبيّن ومجيء العلم بشكل واضح. ولن تكون للمباهلة نتيجة إلا إذا كان أحد الفريقين مأذونا من الله تعالى، فلو تباهلت فرقتان كلتاهما على الباطل، فمن سينصره الله تعالى على الآخر؟ لن تكون النتيجة سوى نزول اللعنة على كلا الفريقين!
ويتطلب الدخول في المباهلة القبول من الطرف الآخر، وهذا القبول إما أن يكون تصريحيا أو ضمنيا، ولكن الباب مفتوح أمامهم كي يرتدعوا ويتركوا أعمال التحريض والأذى والمحاججة بالباطل وإن لم يؤمنوا. وهذا ما تبينه الآية:
" فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ"
وهذا التولي يصبح بدوره آية للمتابعين. ولكن غالبا ما يدفع الاستكبار كثيرا من الأشقياء إلى قبول المباهلة أو عدم الارتداع فيمسهم العذاب.
والآية لا تحدد طبيعة ما سيحدث للكاذب نتيجة الم